كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فلم يزالوا يعبدون الله عز وجل حتى هلك ذلك القرن ونشأ اولادهم فقالوا: إن آباءنا كانوا يعبدون هؤلاء فعبدوهم من دون الله عز وجل فذلك قول الله تبارك وتعالى: {ولا تذرن ودا ولا سواعا} الآية.
وكان رب البيت في الروم واليونان القديمين- على ما يذكره التاريخ- يعبد في بيته فإذا مات اتخذ له صنم يعبده أهل بيته، وكان كثير من الملوك والعظماء معبودين في قومهم، وقد ذكر القرآن الكريم منهم نمرود الملك المعاصر لابراهيم عليه السلام الذى حاجه في ربه، وفرعون موسى.
وهوذا يوجد في بيوت الأصنام الموجودة اليوم وكذا بين الاثار العتيقة المحفوظة عنهم أصنام كثير من عظماء رجال الدين كصنم بوذا وأصنام كثير من البراهمة وغيرهم.
واتخاذهم أصنام الموتى وعبادتهم لها من الشواهد على أنهم كانوا يرون أنهم لا يبطلون بالموت وأن ارواحهم باقية بعده، لها من العناية والاثر ما كان في حال حياتهم بل هي بعد الموت اقوى وجودا وأنفذ إرادة وأشد تأثيرا لما أنها خلصت من شوب المادة ونجت من التأثرات الجسمانية والانفعالات الجرمانية، وكان فرعون موسى يعبد أصناما له وهو إله ومعبود في قومه، قال تعالى: {وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك} الأعراف: 127.
4- اتخاذ الأصنام لارباب الأنواع وغيرهم: كأن اتخاذ تماثيل الرجال هو الذى نبه الناس على اتخاذ صنم الإله إلا أنه لم يعهد منهم ان يتخذوا تمثالا لله سبحانه المتعالى أن يحيط به حد أو يناله وهم، وكأن هذا هو الذى صرفهم عن اتخاذ صنمه بل تفرقوا في ذلك فأخذ كل ما يهمه من جهات التدبير المشهود في العالم فتوسلوا إلى عبادة الله بعبادة من وكله إلى الله على تدبير تلك الجهة المعنى بها بزعمهم.
فالقاطنون في سواحل البحار عبدوا رب البحر لينعم عليهم بفوائدها ويسلموا من الطوفان والطغيان، وسكان الاودية رب الوادي، وأهل الحرب رب الحرب، وهكذا.
ولم يلبثوا دون ان اتخذ كل منهم ما يهواه من إله فيما يتوهمه من الصورة والشكل، ومما يختاره من فلز أو خشب أو حجارة أو غير ذلك حتى روى أن بنى حنيفة من اليمامة اتخذوا لهم صنما من أقط ثم أصابهم جدب وشملهم الجوع فهجموا عليه فأكلوه.
وكان الرجل إذا وجد شجرة حسنة أو حجرا حسنا وهواه عبده، وكانوا يذبحون غنما أو ينحرون إبلا فيلطخونه بدمه فإذا أصاب مواشيهم داء جاءوا بها إليه فمسحوها به، وكانوا يتخذون كثيرا من الاشجار أربابا فيتبركون بها من غير أن يمسوها بقطع أو كسر ويتقربون إليها بالقرابين ويأتون إليها بالنذورات والهدايا.
وساقهم هذا الهرج إلى ان ذهبوا في أمر الأصنام مذاهب شتى لا يكاد يضبطها ضابط، ولا يحيط بها إحصاء غير أن الغالب في معتقداتهم انهم يتخذونها شفعاء يستشفعون بها إلى الله سبحانه ليجلب إليهم الخير ويدفع عنهم الشر، وربما أخذها بعض عامتهم معبودة لنفسها مستقلة بالالوهية من غير أن تكون شفعاء، وربما كانوا يتخذونها شفعاء ويقدمونها أو يفضلونها على الله سبحانه كما يحكيه القرآن في قوله تعالى: {فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم} الآية، الأنعام: 136.
وكان بعضهم يعبد الملائكة، وآخرون يعبدون الجن، وقوم يعبدون الكواكب الثابتة كشعري، وطائفة تتخذ بعض السيارات إلها- وقد أشير إلى جميع ذلك في الكتاب الإلهى- كل ذلك طمعا في خيرها أو خوفا من شرها.
وقل أن يتخذ إله من دون الله ولا يتخذ له صنم يتوجه إليه في العبادات به بل كانوا إذا اتخذوا شيئا من الأشياء إلها شفيعا عملوا له صنما من خشب أو حجر أو فلز، ومثلوا به ما يتوهمونه عليه من صورة الحياة فيسوونه في صورة إنسان أو حيوان وإن كان صاحب الصنم على غير الهيأة التى حكوه بها كالكواكب الثابتة والسيارة وإله العلم والحب والرزق والحرب ونحوها.
وكان الوجه في اتخاذ أصنام الشركاء قولهم: إن الإله لتعاليه عن الصورة المحسوسة كأرباب الأنواع وسائر الالهة غير المادية أو لعدم ثباته على حالة الظهور كالكوكب الذى يتحول من طلوع الغروب يصعب التوجه إليه كلما أريد بالتوجه فمن الواجب أن يتخذ له صنم يمثله في صفاته ونعوته فيصمد إليه بوسيلته كلما أريد.
5- الوثنية الصابئة.
الوثنية وإن رجعت- بالتقريب- إلى أصل واحد هو اتخاذ الشفعاء إلى الله وعبادة أصنامها وتماثيلها، ولعلها استولت على الأرض وشملت العالم البشرى مرارا كما يحكيه القرآن الكريم عن الأمم المعاصرة لنوح وإبراهيم وموسى عليه السلام إلا أن اختلاف المنتحلين بها بلغ من التشتت واتباع الاهواء والخرافات مبلغا كان حصر المذاهب الناشئة فيها كالمحال وأكثرها لا تبتنى على أصول متقررة وقواعد منتظمة متلائمة.
ومما يمكن أن يعد منها مذهبا قريبا من الانتظام والتحصل مذهب الصابئة والوثنية البرهمية والبوذية: أما الوثنية الصابئة فهى تبتنى على ربط الكون والفساد وحوادث العالم الارضى إلى الاجرام العلوية كالشمس والقمر وعطارد والزهرة ومريخ والمشترى وزحل وأنها بما لها من الروحانيات المتعلقة بها هي المدبرة للنظام المشهود يدبر كل منها ما يتعلق به من الحوادث على ما يصفه فن أحكام النجوم، ويتكرر بتكرر دوراتها الأدوار والأكوار من غير أن تقف أو تنتهى إلى أمد.
فهى وسائط بين الله سبحانه وبين هذا العالم المشهود تقرب عبادتها الإنسان منه تعالى ثم من الواجب أن يتخذ لها أصنام وتماثيل فيتقرب إليها بعبادة تلك الأصنام والتماثيل.
وذكر المؤرخون أن الذى أسس بنيانها وهذب أصولها وفروعها هو (يوذاسف) المنجم ظهر بأرض الهند في زمن طهمورث ملك إيران، ودعا إلى مذهب الصابئة فاتبعه خلق كثير، وشاع مذهبه في أقطار الأرض كالروم واليونان وبابل وغيرها، وبنيت لها هياكل ومعابد مشتملة على أصنام الكواكب ولهم أحكام وشرائع وذبائح وقرابين يتولاها كهنتهم. وربما ينسب إليهم ذبح الناس.
وهؤلاء يوحدون الله في ألوهيته لا في عبادته، وينزهونه عن النقائص والقبائح، ويصفونه بالنفى لا بالاثبات كقولهم: لا يعجز ولا يجهل ولا يموت ولا يظلم ولا يجور، ويسمون ذلك بالأسماء الحسنى مجازا وليسوا بقائلين باسم حقيقة وقد قدمنا شيئا من تاريخهم في تفسير قوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين} الآية، البقرة: 62 في الجزء الأول من هذا الكتاب.
6- الوثنية البرهمية: والبرهمية- على ما تقدم- من مذاهب الوثنية المتأصلة، ولعلها أقدمها بين الناس فإن المدنية الهندية من أقدم المدنيات الإنسانية لا يضبط بدء تاريخي لها على التحقيق، ولا يضبط بدء تاريخي لوثنية الهند غير أن بعض المؤرخين كالمسعودي وغيره ذكروا أن برهمن اسم أول ملوك الهند الذى عمر بلادها وأسس قواعد المدنية فيها وبسط العدل بين أهلها.
ولعل البرهمية نشأت بعده باسمه فكثيرا ما كانت الأمم الماضية يعبدون ملوكهم والاعاظم من أقوامهم لاعتقادهم أنهم ذووا سلطة غيبية وأن اللاهوت ظهر فيهم نوع ظهور، ويؤيده بعض التأييد أن الظاهر من (ويدا) وهو كتابهم المقدس أنه مجموع من رسائل ومقالات شتى ألف كل شطر منها بعض رجال الدين في أزمنة مختلفة ورثوها من بعدهم فجمعت وألفت كتابا يشير إلى دين ذى نظام وقد صرح به علماء سانسكريت ولازم ذلك أن يكون البرهمية كغيرها من مذاهب الوثنية مبتدئة من أفكار عامية غير قيمة، متطورة في مراحل التكامل حتى بلغت حظها من الكمال.
ذكر البستانى في دائرة المعارف ما ملخصه: برهم (بفتحتين فسكون أو بفتح الباء والهاء وسكون الراء) هو المعبود الأول والاكبر عند الهنود، وهو عندهم أصل كل الموجودات واحد غير متغير وغير مدرك أزلى مطلق سابق كل مخلوق خلق العالم كله بمجرد ما أراد دفعة واحدة بقوله: أوم أي كن.
وحكاية برهم تشبه من كل وجه حكاية (أي بوذة) فليس الفرق إلا في الاسم والصفات وكثيرا ما يجعلون نفس برهم اسما للاقانيم الثلاثة المؤلف منها ثالوث الهنود، وهى: (برهما ووشنو وسيوا) ويقال لعبدة برهم: البرهميون أو البراهمة.
وأما برهما فهو نفس برهم معبود الهنود بعد ان شرع في أعماله (بدليل زيادة الالف في آخره وهو من اصطلاحاتهم) وهو الاقنوم الأول من الثالوث الهندي أي إن برهم ينبثق في نفسه في ثلاثة اقانيم كل مرة في اقنوم فالاقنوم الأول الذى يظهر به اول مرة هو برهما، والثاني وشنو، والثالث سيوا.
فلما انبثق برهما لبث مدة طويلة جالسا على سدرة تسمى بالهندية (كمالا) وبالسنسكريتية بدما، وكان ينظر من كل جهة، وكان له اربعة رؤوس بثماني أعين فلم ير إلا فضاء واسعا مظلما مملوء ماء فارتاع لذلك ولم يقدر أن يدرك سر أصله فلبث ساكتا أبكم غارقا في التأملات.
فمضت على ذلك اجيال وإذا بصوت قد طرق أذنيه بغتة ونبهه من سباته وأشار عليه ان يفزع إلى (باغادان) وهو لقب برهم فظهر برهم بصورة رجل له الف رأس فسجد له برهما وجعل يسبحه فانشرح صدر باغادان وأبدع النور وكشف الظلمات، وأظهر لعبده حالة كينونته والكائنات بصور جراثيم متخدرة وأعطاه القوة لاخراجها من هذا الخمول.
فبقى برهما يتأمل في ذلك مائة سنة إلهية وهى عبارة عن ستة وثلاثين الف سنة شمسية ثم ابتدأ بالعمل فأبدع اولا سبع السماوات المسماة عندهم (سورغة) وأنارها بالاجرام المسماة (ديقانة) ثم أبدع (مريثلوكا) أي مقر الموت ثم الأرض وقمرها، ثم المساكن السبعة السفلى المسماة بتالة، وأنارها بثمانية جواهر موضوعة على رؤوس ثمانى حيات.
فالسماوات السبع والمساكن السفلى السبعة هي العوالم الأربعة عشر في الميثولوجيا الهنديه.
ثم خلق الازواج السبعة لكى تعينه في أعماله فامتنع من مساعدته عشرة منها وهى (مونى) والريشة التسعة التى منها (ناريدا أو نوردام) واقتصرت على التأملات الدنيوية فتزوج حينئذ أخته (ساراسواتى) وأولدها مائة ولد، وكان البكر اسمه (دكشا) فولد لدكشا خمسون بنتا فتزوجت ثلث عشرة منهن (كاسيابا) الذى يسمونه احيانا برهمان الأول، وهو الذى ولد لبرهما ولدا يسمى (مارتشى).
وولدت احدى البنات المذكورات واسمها (أديتى) الارواح المنيرة المسماة (ديقانة) وهى التى تفعل الخير وتسكن السماوات، وأما أختها (ديتي) فولدت جمهورا غفيرا من الارواح الشريرة المسماة (داتينة) أو (اسورة) وهى سكان الظلام وفاعلة كل شر في العالم.
وكانت الأرض إلى ذلك الوقت خالية من السكان فقال بعضهم: إن برهما أخرج من نفسه (مانوسويامبوقا) الذى يقول الاخرون: إنه سابق له وأنه نفس برهم المعبود الواحد ثم إن برهما زوجه (ساتاروبا) وقال لهما أن يكثرا وينميا.
وقال آخرون: إن برهما ولد اربعة اولاد وهم برهمان وكشتريا وقايسيا وسودارا فالاول خرج من فمه، والثاني من ذراعه اليمنى، والثالث من فخذه اليمنى والرابع من رجله اليمنى فكانوا أربع أرومات لاربع فرق أصلية.
وتزوج الثلاثة الاخيرون بثلاث نساء منه أيضا خرجت واحدة من ذراعه اليمنى والثانية من فخذه اليسرى، والثالثة من رجله اليسرى، وسمين باسم بعولتهن بزيادة علامة التأنيث وهى (نى)، وتزوج برهمان أيضا زوجة من أبيه، ولكن كانت من نسل الاسورة الشريرة، فهذا ما في الفيداس عن كيفية خلق العالم.
ثم إن برهما بعد أن كان الإله الخالق القدير سقط عن رتبة وشنو الاقنوم الثاني وسيوا الاقنوم الثالث وذلك أنه انتفخ بالكبرياء والعجب، وظن نفسه نظير العلى فسقط في ناراك أي الجحيم، ولم ينل العفو إلا بشرط أن يتجسد مرة في كل من الاجيال الأربعة، فتجسد أول مرة بصورة غراب شاعر اسمه (كاكابوسندا) وفي الثانية بصورة (بارباقلميكى) فكان أولا لصا ثم رجلا عبوسا رزينا نادما ثم ترجمانا مشهورا للفيداس ومؤلفا للراميانا، وفي المرة الثالثة بصورة (قياسا) وهو شاعر ومؤلف (المهابارانا) والبغاقة وعدة بورانات، وفي المرة الرابعة وهو العصر الحالى المسمى (كالى يوغ) بصورة (كاليداسا) الشاعر التشخيصى العظيم ومؤلف (ساكنتالا) ومنقح مؤلفات (قلميكى).
ثم إن برهما ظهر في ثلاث أحوال، ففى الحال الأولى كان الواحد الصمد والكل الأعظم العلى، وفي الحال الثانية ظهر منبثقا من الأول أي شارعا في العمل وفي الحال الثالثة ظهر متجسدا بصورة انسان وحكيم.
وليس لبرهما عبادة عامة في الهند، وله هناك هيكل واحد فقط غير أن البراهمة يجعلونه موضوع عبادتهم، ويدعونه مساء وصباحا، وهم يرمون الماء ثلاث مرات براحة أيديهم على الأرض ونحو الشمس، ويجددون له عبادتهم وقت الظهر بتقديمهم له زهرة، وفي تقديس النار يقدمون له سمنا مصفى كما يقدمون لاله النار، وهذا التقديس أهم وأقدس من كل ما سواه.
واسمه هوم أو هوما ورغيب.
ويمثل برهما بصورة رجل ذى لحية طويلة بإحدى يديه سلسلة الكائنات وبالاخرى الاناء الذى فيه ماء الحياة السماوي راكبا الهمسا وهو الطير الإلهى الذى يشبه اللقلق والنسر.
وأما برهمان فهو ابن برهما البكر أخرجه من فيه كما تقدم، وجعل نصيبه أربعة الكتب المقدسة المسماة (فيداس) كناية عن الكلمات الاربع التى نطق بها بأفواهه الأربعة.
فلما أراد برهمان أن يتزوج نظير إخوته قال له برهما: إنك ولدت للدرس والصلاة فيجب أن تبتعد عن العلاقات الجسدية فلم يقتنع برهمان بقول أبيه فغضب برهما وزوجه بواحدة من جنيات الشر المسماة أسورة، ومن هذا ولد البراهمة وهم الكهنة المقدسون الذين خصوا بتفسير الفيداس، وكانوا يتولون أمر كل التقدمات التى يقدمها الهنود للالهة.
وولد كشتريا صنف الحربيين من البراهمة، وقايسيا صنف أهل الزراعة منهم، وسودرا صنف العبيد، فالبراهمة أربعه أصناف، انتهى ملخصا من دائرة المعارف للبستاني.
وذكر غيره أن البرهمية منقسمة إلى طبقات أربع هم البراهمة (علماء المذهب) والحربيون والزراع والتجار، ولا يعبؤ بغيرهم كالنساء والعبيد، وقد نقلنا في ذيل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم} الآية، المائدة: 105 في الجزء السادس من الكتاب في بحث علمي عن كتاب ما للهند من مقولة لابي ريحان البيرونى شيئا من وظائف البراهمة وعباداتهم، وكذا عن الملل والنحل للشهرستاني شطرا من شرائع الصابئين.
والمذاهب الوثنية الهندية وكان الصابئين مثلهم أيضا مطبقون على القول بالتناسخ وهو أن العوالم غير متناهية من ناحيتى الازل والابد ولكل منها حظا من البقاء مؤجلا فإذا انقضى أمد بقائه بطلت صورته وتولد منه عالم آخر يعيش فيموت فيحدث ثالث وهكذا، والنفوس الإنسانية المتعلقة بالابدان لا تموت بموت أبدانها بل موت أبدانها مبدء حياة جديدة لها فإنها تتعلق بأبدان أخر تعيش فيها عيشة سعيدة إن كسبت في بدنها السابق فضائل نفسانية وعملت عملا صالحا، وعيشة شقية إن تلبست بالرذائل واقترفت السيئات إلا الكاملون في معرفة البرهم (الله سبحانه) فإنهم أحياء بحياة الابد آمنون من التولد الثاني خارجون عن سلطان التناسخ.
7- الوثنية البوذية: وقد أصلحت الوثنية البرهمية بالبوذية منسوبة إلى بوذا (سقيامونى) المتوفى سنة خمسماءة وثلاث وأربعين قبل المسيح على ما نقل عن التاريخ السيلانى وقيل غير ذلك حتى أن الاختلاف في ذلك ينسحب إلى ألفى سنة، ولذلك ربما ظن أنه شخص خرافي لا حقيقة له لكن الحفريات الاخيرة التى وقعت في غايا الحديثة وآثارا أخرى في بطنة دلت على صحة وجوده، وقد انكشفت بها آثار أخرى من تاريخ حياته وتعاليمه التى ألقاها إلى تلامذته وأتباعه.
وكان بوذا من بيت الملك ابن ملك يدعى (سوذودانا) فعزفت نفسه الدنيا وشهواتها واعتزل الناس في شبابه ولبث في بعض الغابات الموحشة سنين من عمره مكبا على التزهد والارتياض حتى تنورت نفسه بالمعرفة فخرج إلى الناس وهو ابن ست وثلاثين سنة على ما قيل فدعاهم إلى التخلص عن الشقاء والالام والفوز بالراحة الكبرى والحياة السماوية الابدية السرمدية، ووعظهم وحثهم على التمسك بذيل شريعته بالتخلق بالاخلاق الكريمة ورفض الشهوات واجتناب الرذائل.